المادة    
لكن لا شك أن المظاهر التي يلمسها المؤمن من مظاهر الحياة العامة -في هذه البلاد تحديداً- تدل على أن هناك تأثيراً خطيراً، ولو أن أحداً تأمله فإنه لا يشك أبداً فيه -بغض النظر حيث هي غالب ومغلوب أو ما هو أوسع من ذلك- والذي نقوله وتدل عليه الآيات والأحاديث وجيل الصحابة رضوان الله عليهم؛ أن القضية هي قضية قوة الإيمان أو ضعف الإيمان، فنحن إذا نظرنا إلى المظاهر العامة, ونظرنا إلى الأسماء -وهذه من أبسط أمور الحياة- فيمكن أن تحكم على أي مجتمع من خلال ذلك قبل أن تسأل.
  1. نماذج من الحكم على المجتمع من خلال مظاهره العامة

    مثلاً: بعض الإخوان في الصيف الماضي ذهبوا إلى إسطنبول فقالوا: إن الدعوة بخير. فقلنا: وكيف ذلك؟ فقالوا: إن الحجاب منتشر في كل شارع, والمساجد ممتلئة والحمد لله.
    وأناس مثلاً ذهبوا إلى صنعاء فقالوا: إن أفضل بلد وأنظف عاصمة من التبرج هي صنعاء.
    بل بعض الإخوان يقول: دخلت صنعاء وبقيت فيها ما بقيت ولم أرَ وجه امرأة على الإطلاق، لاحظ الحكم هنا, وهذا الحكم صحيح إلى حد كبير؛ طبعاً لا يوجد في صنعاء من يلزم بالحجاب لا هيئة ولا غيرها؛ لكن هذا كمثال قوي يدل على عمق القيم الإيمانية في أي بلد أو تدهورها.
    وقد يأتي بعض الإخوان ويقول: ذهبت إلى البلد الفلاني ووجدت فيه من الفسق والتحلل ما لا يصدق.
    فنحن نقول: المظهر الخارجي والإيمان الخارجي -ولا نقول: القشور والشكليات- والإيمان الظاهر -والإيمان عندنا ظاهر وباطن, وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة والتي يعرفها الإخوة جميعاً- مهم جداً ومرتبط بالإيمان الباطن، فعندما تجد في أي بلد أو في أي مجتمع الشكل الظاهر يقلد نموذجاً معيناً غربياً أو غير غربي فإننا نحكم عليه من خلال ذلك.
  2. الحكم على المجتمع من خلال أسماء الأشخاص فيه

    وعندما تجد الأسماء وهي مما لا يُنتبه إليه؛ لكن لو أن أحداً استعرض ثلاثة أجيال في هذا المجتمع وفي هذه البلدة فإنه يجد ما يلي:
    الجيل الأول: جيل ما قبل أربعين سنة، فكل أسماء أمهاتنا معروفة تقريباً, ونستطيع عدها في عشرة أو عشرين اسماً، فإننا نجد أن 90% على العشرة أو العشرين الاسم فقط, والباقي شواذ.
    الجيل الثاني: تجد فيه اختلافاً, وتحولاً كبيراً.
    الجيل الثالث: الجيل الآن, وهو منقسم؛ ففي البيت تجد مثلاً: خديجة وزينب ومريم وغيرها من الأسماء الإسلامية، وأسماء أخرى يستحي أحدنا ذكرها؛ لأنها بعيدة كل البعد, وحتى بعضها لا معنى له.
    الظاهرة هذه تدل على أن مجتمعنا كان متوحداً في السابق على قيم معينة يتفق عليها الناس؛ لكنها لم تكن قيماً واعية، ليست بالضرورة أنها قيم واعية من حيث الوعي الذي نشعر به الآن لمواجهة المتغير الجديد الطارئ على المجتمع الإسلامي؛ لكن كان عندنا أساس عام بأن ذلك خير وفضيلة حسنة.. إلى آخره.
    الجيل الثاني: غلب عليه طابع التحديث، وهو أيضاً كان وعيه أقل, وكان الانبهار والتحديث والإعجاب أكثر؛ فتجد أسماء قديمة وحديثة, وأسماء مغنين ومغنيات.. إلى آخره.
    الجيل الثالث: الذي أصبحت الدعوة فيه واعية, والصحوة متميزة بالوعي، وبالمقابل الطرف الآخر بدأ ينهار للحضيض, فتجد فيه التمايز.
    مع الأسف الشديد -ولا مؤاخذة- لو اتصل أحدنا أو مر بجوار أي بيت وسمع من ينادي من الأطفال: يا خديجة أو يا مريم أو يا رقية أو يا عائشة يرد إليه أنها خادمة، لكن لو نودي بأي اسم من الأسماء التي لا نريد ذكرها يعرف أن تلك بنت في الجامعة.
    طبعاً لا نقول: إن هذا في كل مكان؛ لكن وجودها يدل دلالة خطيرة جداً سواء في دلالتها أو في رمزيتها على قابليتنا نحن للتغيُّر داخلياً, وبالذات في هذه الجزيرة التي والحمد الله حماها الله تبارك وتعالى من أن تطأها قدم مستعمر؛ بالذات المملكة و اليمن، طبعاً بقية دول الخليج معروف؛ لكن التي لم يدخلها المستعمر يجب أن تكون أبعد عن التأثر, ومع ذلك نجد هذه الظاهرة الجديدة والغريبة والفريدة.